الفصل 11 زائد فصلين اضافيين و نهاية المجلد الأول

  


الفصل الحادي عشر - انفصا ل
] الجزء الأول [
مضى شهر منذ أن أخبرت باول بشأن الوظيفة .
واليوم وصلت الرسالة .
أشعر أن الرد سيأتيني في أية لحظة، أنا مستعد .
على الأرجح سيخبرني بعد تمارين السيف أو الغداء، أو ربما بعد العشاء .
لذا أكملت تمرين السيف باجتهاد وأنا أفكر في الأمر .
] الجزء الثاني [
كلمني باول أثناء التدريب :
”رودي، عندي سؤال. “
”ما هو يا أبتاه؟ “
استمعت إلى باول بإنصات محكم .
إنها أول وظيفة لي في حياتي كلها؛ الحالية والسابقة .
يجب أن أعمل بجد .
”ماذا…. احم، لو افترضنا أني أريدك أن تنفصل عن سيلفي، ماذا ستفعل؟ “
”هاه؟ بالطبع سأرفض. “
”كما توقعت. “
”ما الأمر؟ “
”لا شيء على الإطلاق، حتى لو أخبرتك س تجد ألف حجّة. “
تغير باول تماما بعد أن قال ذلك .
شعرت بتعطشه للدماء رغم أني مبتدئ .
”هيه؟! “
“ !!.……”
اندفع باول للأمام بصمت رهيب يهز الوجدان .
الموت .
هذه الكلمة خطفت ذهني .
اتبعت غريزتي وسخرت كل سحري لمهاجمة باول .
استخدمت سحر النار والهواء في آن واحد وسخّرت ريحًا متفجرة بيني وبين باول .
الصفح ة | 173
دفعتني الريح الساخنة للخلف فاستغليتها وقفزت للوراء.
حاكيت هذا الموقف في ذهني مرات عديدة .
لا فرصة لدي للفوز على باول إن لم أبتعد عنه .
سأتمكن من ترك مسافة بيني وبين خصمي المفزوع حتى لو آذتني الريح المتفجرة.
لكن باول لم يفزع أو يع طها أي اهتمام، إنما اندفع للأمام بنفس الوضعية .
)لم تؤثر فيه!!! (
توقعت أن يحصل هذا ولكني ما زلت أشعر بالخوف يتجمع بداخلي .
خطوتي التالية هي المناورة والمراوغة .
التراجع مستحيل، فالخصم يندفع للأمام بسرعة فائقة .
وبينما أنا أفكر بذلك عفويا، سخرت موجة صدمية لتدفع جسدي من الجانب .
طار جسدي إلى الجانب الآخر بتأثير الموجة الصدمية .
صوت تقطّع الهواء الحاد صمّ أذني وجعلني أتعرق خوفًا .
رأيت سيف باول يقطع المكان الذي كان فيه رأسي .
جيد .
تفاديت هجمته الأولى وهذا من صالحي .
ما زالت المسافة بيننا قصيرة جدا لذا سأبتعد عنه أكثر .
أستطيع الفوز .
سخرت الرمال المتحركة في موضع خطوته التالية .
وقع باول في فخي البسيط .
فورما حصل ذلك، نقل باول ثقل جسمه إلى ساقه الأخرى بلحظة وأكمل اندفاعه نحوي دون أن يتعرقل .
)إذن لا حل سوى أن أعرقل كلا الساقين في نفس الوقت؟! (
صنعت مستنقعا تحت قدمي .
ثم سخرت تيّارا مائيا كي لا أغرق وتراجعت للخلف وكأني أتزلج .
)تبا، لقد تأخرت…! (
فات الأوان بعدما بدرت لي هذه الفكرة .
داس باول بقوة على الأرض الصلبة عند حافة المستنقع.
وانخسفت الأرض تحت قدمه .
تبقت له خطوة واحدة فقط حتى يقترب مني .
”ياااااه!“
أصابني الذعر واستخدمت السيف لمهاجمته .
ضربة خرقاء لا تتبع أي أسلوب.
اعتراني إحساس الفتور البغيض في يدي وأنا ألوّح السيف بقوة .
)صدّ الضربة بأسلوب إله الماء…..(
الصفح ة | 174
أعرف النتيجة .
بعد الصدّ بأسلوب إله الماء، يبدأ الهجوم المضاد .
لا أستطيع تفاديه رغم معرفتي بقدومه .
حلّق سيف باول نحو عنقي وكأني أرى المشهد بالتصوير البطيء .
)أوه، لحسن حظي أنه سيف خشبي…..(
فقدت وعيي وأظلمت الدنيا بعد أن شعرت بالضربة على عنقي .
] الجزء الثالث [
عند استيقاظي، وجدت نفسي في صندوق صغير .
أشعر باهتزاز المكان حولي، أعتقد أني داخل وسيلة نقل ما .
حاولت الوقوف لكني لم أستطع تحريك جسدي ،
أخفضت رأسي ورأيت نفسي مربوطًا بالحبال وكأني قطعة حصير .
الحبال مربوطة بشدة .
)ما الذي حدث….؟ (
أدرت رأسي وإذا بسيدة ضخمة جالسةٌ أمامي .
بشرتها سمراء ولباسها جلدي سافر، عضلاتها مفتولة، وجسدها مليء بالندبات .
إنها ترتدي عصبة عين ووجهها الجامد يعطي انطباعا أنها زعيمة عصابة .
هذه السيدة تشعرني أنها محاربة أمازونية من قصة خيالية .
كما أنّ لديها أذني حيوان وذيلاً مثل ذيل النمر ،
وشعرها كثيف بعض الشيء.
هل هي من عرق الوحوش ؟
لاحظت أني أتفحصها وتلاقت نظراتنا .
”أنا روديوس قريرات، كيف حالك؟ يؤسفني الحديث معك
في مثل هذا الظرف. “
عرّفتها بنفسي أولا، مبادرة الحديث من أساسيات الحوار.
أن تبدأ الحديث يعني أن تتحكم بمساره.
”أنت مهذب حقا رغم كونك ابن باول. “
”هذا لأني أيضًا ابن أمي. “
”معك حق، أنت ابن زينيث أيضًا. “
شعرت بالراحة نوعًا ما لأنها تعرف والديّ .
الصفح ة | 175
”أنا غيلين، يشرفني العمل معك بدءًا من الغد. “
بدءًا من الغد ؟
عن ماذا تتحدث ؟
”احم، شكرًا، الشرف لي. “
”طيب. “
على كل، سخرت سحر النار لأحرق الحبال .
جسدي كله يؤلمني، هل هذا لأني نمت بوضعية غريبة ؟
تمددت .
آه شعور الحرية .
رغم أني تعودت على هذه المساحة الصغيرة ويمكنني تحريك أصابعي فقط، إلا أنه يخالجني شعور غريب
وأنا مربوط هكذا أمام هذه المرأة السادية .
تفقدت محيطي وكل ما أستطيع وصفه هو أنه محض صندوق صغير.
ثمة مكان للجلوس لذا جلست مقابل غيلين .
توجد نوافذ في كلا الجانبين ويمكنني الرؤية خارج النافذة، إنها أراضٍ عشبية لم أرها من قبل .
كما توقعت، أنا داخل وسيلة مواصلات .
الاهتزاز فظيع وأشعر أني سأصاب بالدوار إذا بقيت بداخلها فترة طويلة .
ثمة صوت صلصلة في المقدمة، إنه حصان على الأرجح .
مما يعني أني داخل عربة .
لماذا أنا موجود في عربة مع هذه السيدة الع ضلة )كثيرة العضلات( ؟
….. هاه! !
هل… هل هذا يعني أنها اختطفتني؟ !
هل تريد أن تجعلني دمية متعة؟ !
لا، أنا… أنا لا أمانع هذه المرأة العضلة، لكني منحت قلبي لفتاة اسمها سيلفي .
رجاءً هلاّ عاملتني بلطف في أول مرة…. ؟
لالالالالالا !
ا…ا…اهدأ. يجب أن أهدأ هذه المرة.
سأهدأ بعد عدّ الأعداد الأولية .
الأعداد الأولية هي الأعداد التي تقبل القسمة على نفسها أو على واحد…… هذا ما علمني إياه القسيس
الذي منحني الشجاعة في السابق .
3 ، 5 ، ثم… 11 ؟ ماذا بعد… 13 ؟ وبعد ذلك هو… …
لا أتذكر! !
الأعداد الأولية لا تهم، المهم هو أن أهدأ .
اهدأ وفكّر لماذا صرت في هذا الموقف ؟
الصفح ة | 176
جيد، تنفس بعمق .
”ش…هيق….. “
جيد .
لنرتّب الأمور التي أعرفها .
أولًا، هاجمني باول فجأة وأفقدني الوعي .
وبعد استيقاظي، وجدت نفسي مربوطًا داخل عربة حصان .
أعتقد أنه أفقدني الوعي لسبب ما ورماني على متن هذه العربة .
وهذه المرأة قالت لي ”يش رفني العمل معك“ في نفس العربة .
استرعى انتباهي شيء غريب ذكره باول قبل مهاجمتي .
شيء متعلق بترك سيلفي، وأني لا أستحقها أو أنها لا تناسبني .
ذلك اللوكني اللعين…. هل ينوي التحرش بعزيزتي سيلفي؟! )اللوكني= محب الصغيرات / محب اللولي(
لحظة. لم يقل الشطر الثاني من الكلام ؟
همم ؟
لا أفهم ما علاقة سيلفي بالموضوع .
اللعنة. إنها غلطة باول…. !
حسنٌ، لا حرج من السؤال .
”المعذرة.“
”نادني غيلين. “
”طيب، إذن نادني رودي الصغير.“
”حسنٌ يا رودي الصغير. “
يبدو أنها لا تفهم المزاح .
”آنسة غيلين، هل أخبرك أبي بشيء؟ “
”نادني غيلين، لا داعي لأن تقول آنسة. “
قالت غيلين ذلك وهي تخرج رسالة من جيبها .
ثم أعطتني إياها .
لا شيء مكتوب على الظرف.
”أعطاني باول هذه الرسالة، اقرأها بنفسك فأنا لا أعرف القراءة، اقرأها بصوت مسموع. “
”حاضر. “
الصفح ة | 177
فتحت الرسالة وبدأت القراءة.
] إلى ابني العزيز: روديوس .
على الأرجح لن أكون على قيد الحياة عند قراءتك لهذه الرسالة. [
”ماذا؟! “
صرخت غيلين بذهول ووقفت.
سقف العربة مرتفع على غير المتوقع…. .
”اجلسي من فضلك يا غيلين، هناك المزيد. “
”همم، طيب. “
جلست بطواعية .
وأكملت القراءة.
] - - - - - هذه أول مرة أجرب فيها كتابة مزحة. المهم سحقتك تمامً ا في القتال و أفقدت ك وعيك بطريقة مزري ة ،
ثم ربطتك بالحبال ورميتك على متن العربة كأميرة مخطوفة. لا شك أنك لم تفهم ما حصل لذا يمكنك أن
تسأل مفتولة العضلات…. . لكن دماغها مجرد عضلة ولا يمكنها أن تشرح الأمر بوضوح.[
”ماذا؟! “
صرخت غيلين بغضب ووقفت.
” اجلسي رجاءً يا غيلين، الجمل التالية فيها مديح لك. “
”همم، طيب. “
جلست بطواعية .
وأكملت القراءة.
] إنها ملكة السي ف! أيْ خير معلم لك في فنون السيف، أضمن لك أنك لن تجد معلم سيف أفضل منها إلّا
في أراضي السيافين المقدسة، فأبوك لم يغلبها أبدً ا… سوى في الفراش . [
لا تكتب أشياء لا فائدة منه ا أيها الأب الأحمق .
لكن غيلين تبدو سعيدة.
شعبية ذلك الشاب تقهر .
لكنك قوية حقًا يا آنسة غيلين.
الصفح ة | 178
] حسنٌ، بالنسبة إلى وظيفتك فقد تم تعيينك معلما منزليا للسيدة الصغيرة في بلدة روى التابعة لولاية
فتوى، أرجو أن تعلمها اللغة والحساب والسحر البسيط. إنها سيدة عنيدة جدًا وعنيفة لدرجة أن المدرسة
طلبت عدم حضورها، وحتى هذه اللحظة تسببت في نفور العديد من المعلمين الخصوصيين…. لكني واثق
أنك قادر على إنجاز الأمر. [
إنجاز ماذا؟ ! يرحم والديك .
”هل غيلين عنيدة حقً ا؟ “
”أنا لست السيدة الصغيرة.“
”معك حق. “
أكملت القراءة.
] مفتولة العضلات هي معلمة السيف والحارس الشخصي للسيدة الصغيرة، ويبدو أنها تريدك أن تعل مها
السحر واللغة مقابل تعليمك فنون السيف. أرجو ألّا تسخر من طلبها لأن دماغها معضول وإلا ثار غضبها
)ضحكة(. [
”ماذا…..؟ “
بانت العروق في جبهة غيلين من شدة الغضب .
هذه الرسالة تشرح الموقف لكن أعتقد أن المغزى منها هو إغضاب غيلين.
ما علاقة هذين الاثنين ؟
] قد تكون مهاراتها في التعليم عسرة لكن الأمر يستحق طالما أنك توفر مصاريف الدروس.[
مصاريف الدروس .
فهمت، سأتعلم منها فنون السيف بدلًا من باول الذي يعتمد على الفطرة ،
مما يعني أن باول ساعدني في العثور على معلم أفضل .
أو ربما أصابه اليأس من عدم تحسن مستواي البتة ؟
رجاءً هلاّ تحملت مسؤوليتك تجاهي حتى النهاية….. ؟
”كم تكلّف دروس غيلين في العادة؟ “
”قطعتا ذهب أسوري لمدة شهر واحد. “
قطعتا ذهب أسوري! !
حتى روكسي لم تأخذ سوى 5 قطع فضة أسورية في الشهر .
أجرها 4 أضعاف أجر روكسي. فهمت، الأمر يستحق فعلاً.
الصفح ة | 179
للمعلومية، يحتاج الشخص الواحد إلى حوالي قطعتي فضة أسورية في الشهر ليغطي مصاريفه المعيشية .
] ستبقى في منزل السيدة الصغيرة وتعلمها لمدة خمس سنوات. في أثناء سنوات الخدمة هذه، أنت ممنوع
من العودة إلى المنزل وكتابة الرسائل، فبسببك أنت أصبحت سيلفي عاجزة عن الاعتماد على نفسها، ليس
هذا فقط بل أنت أيضا أصبحت معتمدا عليها لذا سأجبركما على العيش منفصلين. [
”ما….ذا….؟ “
هاه، لماذا ؟
لحظة .
……… هاه ؟
أتمزح معي؟ لن أرى سيلفي لخمس سنوات؟ !
ولا يمكنن ي كتابة الرسائل ؟ !
”ما الأمر؟ هل انفصلت عن حبيبتك يا رودي الصغير؟ “
عبس وجهي فسألتني غيلين بنبرة مسرورة.
”لا، طردني والدي الجاهل من المنزل. “
لم أحظ بفرصة لتوديعها .
تجاوزت حدك يا باول .
”لا تحزن يا رودي الصغير.“
”احم. “
”ماذا؟ “
”أرجو أن تناديني روديوس. “
”أوه، طيب. “
لكن منطقيا باول محق في كلامه .
إذا كبرت سيلفي على هذا المنوال ستصبح مثل صديقة طفولة في لعبة منحرفة )إيروقي( سيئة والتي ترافق
البطل دائما وتعامله وكأنه ملاك نزل من السماء السابعة، أي بالمختصر هي كيان بلا شخصية .
لو جئنا إلى أرض الواقع ل وجدنا أن طابع عدم الاستقلالية يختفي تدريجيا عندما يتعلم المرء أمور الحياة عب ر
أصدقاء المدرسة، لكن سيلفي لا تملك أصدقاء بسبب لون شعرها، أي أن احتمالية استقلاليتها منخفضة
جدا حتى ولو مرّت خمس سنين.
حقيقة لا أمانع هذا لكنّ الكبار حولي يخالفونني الرأي .
وهذا جيد، نظرتهم سليمة .
الصفح ة | 180
] أما بخصوص راتبك، فسيدفعون لك قطعتي ذهب أسوري في كل شهر، صحيح أن هذا أجر رخيص لمعلم
منزلي إلا أنه كثير كمصروف طفل. اذهب إلى المدينة وتعلم كيف تنفق مالك في وقت فراغك. إذا لم تنفق
مالك في حياتك اليومية فلن تعرف كيف تستخدمه عند الحالات الطارئة، ولا أشك أن ابني سيعرف كيف ينف ق
ماله حتى لو لم يتعلم كيف…. آه صحيح، لا عيب إن أخطأت لكن لا تستخدم مالك في شراء النساء، اتفقنا؟ [
قلت لك لا تكتب أشياء لا فائدة منها .
أو ربما كانت مجرد نكتة ؟
أرجوك توقف .
] إذا نجحت في تعليم اللغة والحساب والسحر للسيدة الصغيرة طيلة خمس سنوات ستحصل على مكافأة
خاصة حسب شروط العقد، والمكافأة هي أن يدفع رب العمل مصاريف الجامعة لشخصين . [
فهمت .
سوف ينفذ رغبتي إذا أنجزت وظيفتي على أكمل وجه طيلة خمس سنوات .
] لكن سيلفي قد لا ترغب في مصاحبتك بعد خمس سنوات أو قد يفتر حماسك أو تتغير مشاعرك، حينها
سوف نقنع سيلفي بالأمر بجدية. [
يقنع بجدية….. يراودني شعور سيئ .
خفق قلبي .
] أتمنى لك دوام الصحة والعافية طيلة السنوات الخمسة وآمل أن تتعلم العديد من الأمور في مكا نك الجديد
وأن تصل إلى أعلى مرات ب الحياة .
- مع تحيات والدك الحكيم العظيم: باول. [
حكيم……؟ !
ألم تستخدم العنف معي؟! !
لكن قراره هذه المرة يستحق التقدير .
فعلها من أجلي ومن أجل سيلفي أيضًا .
قد تصبح سيلفي وحيدة لكن إذا لم تحل مشاكلها بنفسها فلن تنضج حتمًا وأبدًا .
ليس من مصلحتها أن تعتمد علي وحسب .
”باول يحبك فعلاً. “
قالت غيلين ذلك، فأجبتها ضاحكا :
”كانت علاقتنا باردة في السابق لكنها تحسنت بعد أن عرف أننا نحمل نفس الطباع، ألا ينطبق الأمر ذاته
على غيلين….. “
”هاه؟ ماذا تقصد؟ “
الصفح ة | 181
قرأت السطر الأخير من الرسالة .
] ملاحظة: لا مانع أن تضع يديك على السيدة الصغيرة ما دامت راضية، لكن إياك أن تلمس مفتولة العضلات،
إنها امرأتي. [
”هذا ما كتبه. “
”احم، ابعث هذه الرسالة إلى زينيث. “
”حسنًا. “
وهكذا بدأت رحلتي إلى روى، أكبر بلدة في ولاية فتوى.
ما زالت عندي بعض التحفظات بهذا الشأن لكني سأتغاضى عنها، حان وقت النضوج.
أجل، هذا يعني أني لا أستطيع البقاء مع سيلفي. نعم، لن أندم .
قلت هذا لنفسي .
)لكني أود رؤيتها مرة واحدة في السنة على الأقل…. (
قلبي الرهيف لم يحسم أمره.
] الجزء الرابع [
— منظور باول —
”كان ذلك خطرًا…… “
نظرت إلى ابني المغمي عليه وإلى حذائي المتسخ .
تصرفت معه بجدية لأخيفه وأريه هيبة الأب بما أن اليوم هو آخر يوم لي معه كمعلم سيف،
لكني لم أتوقع أن يستخدم السحر ضدي وبحركات خاطفة.
لم يهاجمني، إنما استخدم السحر ليعرقل حركتي .
واستخدم كل أنواع السحر المختلفة .
”إنه ابني حقًا، حسه القتالي مذهل. “
صحيح أن الأمر استغرق لحظة لكني اضطريت لاستخدام 3 خطوات حتى أباغته تمامًا.
لا سيما الخطوة الأخيرة، لو أني ترددت قليلاً لانحبست قدماي وخسرت النزال على الفور .
استخدمت 3 خطوات ضد ساحر، لو كان معه مرافقين لغطوا جانبيه الأيمن والأيسر من أجل حمايته، ولو كان
أبعد أكثر لاحتجت إلى خطوة رابعة .
إنها خسارة لي من حيث المبدأ.
إذن لا خوف عليه، حتى لو انضم إلى فريق ع شوائي لاستكشاف مغارة ما فسيكون ذا فائدة كساحر .
”كما هو مألوف من عبقري جعل ساحرة برتبة قديس الماء تخسر ثقتها بنفسها…..“
الصفح ة | 182
ابني مخيف للغاية .
لكني سعيد .
في السابق كنت أشعر بالغيرة ممن هم أكثر مني موهبة، أما الآن فأنا أشعر بالسعادة فقط لأنه ابني .
”أوه، هذا ليس الوقت المناسب لمثل هذا الحديث، سيأتي راولز والآخرين إذا لم
ُ
أسر ع. “
ربطت ابني المغمي عليه بالحبال ورميته على متن عربة حصان وصلت للتو .
التوقيت مناسب، جاء راولز .
ومعه سيلفي .
”رودي؟! “
حاولت سيلفي إنقاذ رودي بعد أن رأته مربوطًا .
أطلقت عليّ السحر المتوسط فجأة بدون ترنيم .
تفاديتها بسهولة لكنّ سحرها سريع ناهيك عن الترنيم الصامت .
لو واجهها شخص آخر لمات على الأرجح .
ماذا كنت تعل م يا رودي ؟
أعطيت الرسالة إلى غيلين ووضعت رودي في العربة وطلبت من السائق المغادرة .
نظرت إلى الجانب وإذا براولز يجثو على ركبتيه بجانب سيلفي ويلقنها درسًا .
خيرًا تفعل يا راولز .
تعليم الأبناء من مهام الآبا ء، عليك أن تسترد بنفسك الدور الذي سلبه منك رودي .
تنهدت ونظرت إليهما بعينين حنونتين، ثم سمعت صوت سيلفي.
”مفهوم، سأصبح قوية لأساعد رودي….!! “
هممم، أنت محبوب يا بنيّ .
خرجت زوجتاي من المنزل أثناء هذا المشهد .
لقد طلبت منهما البقاء في المنزل لخطورة الموقف، لكنهما على الأرجح خرجتا ليودعانه .
”آه، سيغادر عزيزي رودي. “
”سيدتي، هذا لصالحه. “
”أعلم يا ليليا. وا روديوساه!! انطلق في دربك يا طفلي!! حرموا أمك المسكينة من طفلها الوحيد!! “
”سيدتي، السيد الصغير لم يعد طفلك الوحيد. “
”معك حق، أصبح عندنا ابنتين.“
”ابنتين….!! س سيدتي!! “
”لا تقلقي يا ليليا، أنا أحب طفلتك!! لأني أحبك أيضًا!! “
الصفح ة | 183
”أوه! سيدتي، وأنا أحبك أيضًا!! “
دار هذا المشهد بينهما أثناء رحيل العربة .
لا داعي للقلق بما أن روديوس نابغة .
لكن حقًا علاقتهما جيدة وأتمنى أن يعاملاني بالمثل .
أو من الأفضل أن أتمنى ألا تتعاونان معًا للتنمر علي .
”لكن رودي لن يكون معنا عندما تكبر الطفلتان… “
يبدو أن رودي كان يخطط لأن يصير الأخ المثالي .
لحسن الحظ، سأحظى بكامل محبة ابنتي الظريفتين لوحدي .
هع هع .
مهلاً ، هكذا سيتدرب رودي على يد غيلين ملكة السيف.
أي بعد خمس سنوات عند بلوغه سن الثانية عشر ستكون لياقة جسده عالي ة علاوةً عل ى تمكنه من السحر .
ثم يتحداني عند عودته .
حينها هل سأستطيع الفوز على روديوس يا تر ى ؟
تبًا. هيبتي كأب ستكون في خطر بعد خمس سنوات .
”يا سيدة قريرات، وليليا، بما أن روديوس غادر، سأبدأ تماريني. “
وقفت زينيث مذهولة وهمست ليليا في أذنها .
”إنه يشعر بالخطر لأنه كاد أن يهزم على يد السيد الصغير روديوس. “
”لم تتغير طباعه، لا يتمرن بجد إلا عندما تكون خسارته وشيكة. “
ويحتاه، هيبة الأب باتت في خطر الآن .
)على كل الأحوال، لا تهمني الهيبة كثيرًا.(
أنا أعرف جيدًا نهاية الأب الذي يتباهى دائمًا بهيبته ووقاره، سوف يصير كهلاً تعيسا يعاني من مشاكل النساء .
هدفي الآن هو أن أكون أبًا حنونًا لا متغطرسًا قبل أن يكبر أطفالي الثلاث .
نظرت إلى زينيث .
جسدها الرشيق لا يوحي للآخرين أنها ولدت مرتين… .
)ههههه آمل أن يستمر هذا حتى تلد طفلي الرابع أو الخامس. (
دعنا من هذا الآن .
)روديوس…. (
لم أكن أود استخدام هذا الأسلوب معك .
لكن حتى لو أخبرتك فلن تستمتع إلي ولا أنا واثق من قدرتي على إقناعك .
الصفح ة | 184
وسأفشل كأب إن لم أفعل شيئا حيال الأمر لذا لم يسعني سوى أن أعتمد على الآخرين ،
هذا كل شيء .
أنت ذكي وستتفهم استخدامي القوة معك بلا شك… .
لا، لا أمانع حتى لو لم تفهم.
الأمور التي ستتعلمها هناك لن تعيشها أبدًا إن بقيت في القرية .
لا يجب أن تتفهمني بل ركزّ على حياتك الجديدة التي ستكون مصدر قوتك في المستقبل .
اكرهني .
اكرهني والعن عجزك أمامي .
فهكذا كبرت تحت استبداد والدي.
غادرت المنزل لأني عجزت عن مواجهة أبي، ثم ندمت كثيرا وتعلمت الدرس.
لم أرغب أن تعيش مثل تجربتي، لكني كسبت قوتي بسبب رحي لي .
لا أدري إن كانت هذه القوة كافية لمواجهة والدي، لكنها منحتني المرأة التي أحب وحميت به ا ما أريد حمايت ه،
وعلى الأقل استطعت إخضاع ابني الصغير.
تعال يا بني إذا أردت مواجهتي .
لكن بعد أن تكسب قوتك .
اجمع قوة كافية لهزيمة أبيك القاسي .
مرّت هذه ا لخواطر في ذه ن باول وهو ينظر إلى عربة روديوس .
الصفح ة | 185
فصل إضافي - الأم في منزل آل قريرا ت
] الجزء الأول [
اسمي زينيث قريرات .
وُ لدت في بلاد ميليس المقدسة؛ دولة معروفة بجما لها الأخّاذ وتاري خها العريق وتشددها الأخلاق ي .
أنحدر من طبقة نبلاء ميليس؛ الابنة الثانية في عائلة إيرل .
كنت أعيش مثل الدرة المصونة كباقي نساء العوائل المحترمة ، ظننت أن العالم مقصور على ما هو حولي .
كنت ساذجة جاهلة، ومع ذلك كنت خير الابنة .
لم أع ص والديّ أبدًا إذ كنت ابنة بارة مطيعة وتحرز أعلى الدرجات في المدرسة .
أطعت تعاليم كنيسة ميليس وأتقنت دوري في المناسبات الاجتماعية بما يليق بمقامي .
وكان البعض يسمون ي ب )سيدة شباب ميليس المثالية( .
كان والداي فخورين بي بلا شك .
لو استمرت نشأتي على تلك الحا ل، لصرت طرفًا في زواج مر تّب .
على الأرجح سيكون الطرف الآخر الابن الأكبر لعائلة إيرل م ا ؛
شاب مستقيم ذو كبرياء وتابع مخلص لتعاليم مذهب ميليس.
ن عم المثال للشخصية النموذجية في طبقة نبلاء ميليس .
كنت سأتزوج بشخص كهذا وأنجب له الأطفال وأعيش حياة زوجة الإيرل التي لا يعيبها شيء أينما ذهبت
وحلّت، ويخلّد اسمي في قائمة نبلاء بلاد ميليس المقدسة .
هكذا ستكون حيات ي؛ مسا ر حياة بنات نبلاء ميليس .
لكن ي لم أسلك ذاك المسا ر.
فعندما بلغت سن الرش د؛ أي في الخامسة عشر من عمري ،
تشاجرت مع والديّ لأوّل مرة في حياتي وعصيت أوامرهما ، ثم هربت من المنزل .
إذ كرهت تحكمهما في جميع شؤون حياتي، وكنت أشعر بالغيرة من أختي الصغيرة "تيريز" المتحررة.
ولأسباب عدة، أدرت ظهري لتلك الحياة.
لكنّ المعيشة صعبة جدً ا على من يترك طريق النبلاء.
لحسن حظي أنني تعلمت سحر الشفاء في مدرسة ا لنبيلات حتى بلغت المرتبة المتوسطة .
فمعظم الناس لا يجتازون المرتبة المبتدئة رغم أنّ بلاد ميليس المقدسة معروفة بتقدمها الشاسع في سحر
الشفاء وسحر الحاجز، فضلاً أن بلوغ المرتبة المتوسطة في سحر الشفاء يتيح لي فرصة العمل في
مستشفيات ميليس، وهذا إنجاز بحد ذاته جعلني محط إعجاب في المدرسة .
ولهذا اعتقدت أني سأعيش حياة كريمة مستقلة أينما ذهبت .
لكني كنت ساذجة جدًا .
لم أعرف كيف أدبر أمور سكني في أحد النُز ل، فاستهدفتني مجموعة من الأشرار.
أخبروني أنهم يبحثون عن ساحر شافي وعرضوا عل ي الانضما م مقابل أجر زهيد فقبلت.
الصفح ة | 186
استغلوا جهلي بقيمة السوق، إذ كان أجري أقل بكثير من أجر ساحر شافي في المرتبة المبتدئة لكنهم
أصرّوا أن الثمن المدفوع أعلى من الأجر المعتاد .
كنت غبية، انخدعت بطيبتهم الزائفة وصدقت كلامهم المعسول .
أذكر أنني قلت لنفسي حينها: "ثمة أناس طيبين في هذا العالم" .
لو أن ني بقيت معهم فترة أطول لاستغلون ي بأبشع الطرق بلا ريب، ولعلّهم خططوا لاستخدامي كدرع بشري
ضد المسوخ السحرية أو إرغامي على تسخير السحر حتى يغمى علي أو أ ن أبيع لهم جسدي .
لكن هناك من وقف لهم بالمرصاد ومنع حصول ذلك .
إنه المحارب الشاب باول قريرات.
لقّن الأشرار درسًا وأجبرني على المجيء معه إلى فريقه الرحّال .
اعتقدت حينها أنني اختطفت من قبل مجرم شرير قبل أن تشرح لي إيليناليز الوضع بالتفصيل؛ إيليناليز هي
إحدى أعضاء فريقه .
على كل حال، هكذا قابلت زوجي المستقبلي .
كنت أكره باول في البداية .
من الواضح أنه نبيل أسوري سابق لكنه يتحدث كقطاع الطرق، دائمً ا ما يخلف بوعوده وتصرفاته متهورة .
إنه جشع ومتكبر ويحب ملامسة مؤخرات الفتيات ولا يخفي أفكاره المنحرفة .
لكني أعلم أنه ليس بشخص سيئ .
كان يستحقرني ويهزأ بي لجهلي بكيفية سير الأمور ثم يتأفف ويساعدني دومً ا .
شخصية باول تخالف شخص يتي تمامًا، فهو جامح وجريء للغاية .
لم يستغرق الأمر طويلاً حتى وقعت في حبه .
لكنه محاط بالعديد من النساء الجميلا ت، فضلاً عن اتباعي لمذهب ميليس .
مذهب ميليس يرفض تعدد الأزواج وينص أن على الزوج أن يحب زوجه فقط .
صحيح أني تركت ديار ي لكني نشأت في هذا المذهب وترع رعت على تعاليمه منذ صغري وآمنت بميليس
مثل كل معارفي حت ى ترسخت تعاليم المذه ب في قلبي .
لذا قلت له ذات يو م :
”سأنام معك إذا وعدتني أنك لن تمسّ امرأة غيري. “
وافق على شرطي مبتسمًا.
كنت أعلم أنه يكذب .
لكني لم أبا ل بذلك .
سأهجره وأتخلى عن ه إن كذب عل ي .
لكني كنت حمقاء وطائشة وساذجة جدًا .
لأني حملت من جماعنا الأول .
أصابتني الربكة والحيرة والخوف .
لم يخطر على بالي أنّ باول سيتحمل المسؤولية ويتزوجني .
وطفلي الذي أنجبته هو …
روديوس قريرات .
……… رودي .
الصفح ة | 187
] الجزء الثاني [
جلس روديوس بجانب مهاد أختيه .
ويعتلي وجهه تعبير جاد .
وجهه طبق الأصل من أبيه، شدّ شفتيه واستمر في التحديق بأختيه .
”آا- آآ…..! “
اشتدت تعابير وجهه عندما تمتمت نورن .
وبعد ذلك .
”بورورورو~“
أخرج روديوس لسانه وقام بتعبير مضحك .
”آا، وآ، ها، ها! “
ابتسمت نورن بسعادة وهي ترى تعبير وجهه .
أطرق روديوس رأسه برضا عندما رأى ابتسامة نورن، ثم رجع تعبير وجهه الجاد .
”اووو، آا! “
هذه المرة حان دور آيشا .
وتحرك روديوس فورًا إلى جانبها .
”أربوبوبو~ “
عصر وجهه بطريقة غريبة .
”قيآ— ها، هآ. “
وابتسمت آيشا بسعادة أيضًا.
ابتسم روديوس برضا تمامًا كما فعل مع نورن .
كرر روديوس ما فعله قبل قليل .
”ههههه…… “
خرجت مني ضحكة صغيرة عندما رأيت ابتسامة روديوس.
هذا لأني بالكاد أرى روديوس يبتسم .
دائمً ا ما يكون غير راض لسبب ما سواء كانت دروس سحر أو سيف، تعبيره الجاد يعتلي وجهه في كل شيء
يفعله.
لم يبتسم أبدًا أمام والديه .
حتى لو ابتسم فهي ابتسامة مصطنعة .
لكنه الآن يصنع تلك التعابير لأختيه ويبتسم برضا بعد أن يرى ابتسامات أختيه .
أشعر بالسعادة بمجرد النظر إليه .
ابتسامته مختلفة تمامًا عن السابق .
”ايه….. “
تنهدت وأنا أتذكر روديوس عندما كان صغيرًا.
غمرتني السعادة عندما شاهدت موهبة روديوس في السحر لكن بعد فترة، بدأ الشك يراودني أنّ روديوس
يحتقر أبويه ولا يحبهما .
الصفح ة | 188
راودني هذا الشعور لأن علاقتي بروديوس لم تكن قوية على الإطلاق .
”…… لكن هذه ليست الحقيقة.“
تغير انطباعي عند وقوع حادثة الحمل .
حملت ليليا واعترف باول بفعلته.
حينها شعرت بالخيانة .
باول خانني، وحتى ليليا خانتني.
لا سيما عندما خلف باول بوعده ،
حينها بلغ غضبي أشدّه وأوشكت على الانفجار لولا أني تماسكت نفسي للح ظة ،
كدت أصرخ وأطرد ليليا أو ربما غادرت لوحدي .
قررت قبل زواجنا أنه لو كذب علي فسأهجره وأر حل .
نسيت هذا القرار لكنه بقي في قرارة قلبي .
خنقتني المشاعر لدرجة أني كدت أدمر عائلتي كلها .
لكن روديوس بدّد تلك الأفكار.
تصرف كطفل وحلّ الموقف بعناية.
رغم أن فعلته لا تعدّ صحي حة .
حتى لو بنيت على كلام روديوس، فلا يمكنني مسامحة باول .
لكنني لمست حقيقة قلب روديوس من خلال كلامه .
”لست مرتاحة لانهيار علاقتنا العائلية. “
أعدت التفكير بعد أن استوعبت هذه النقطة .
هذا الطفل يقدّر عائلته بطريقته الخاصة .
تبددت شبهاتي حول محبته لعائلته بعد إدراك ذلك .
وفي نفس الوقت، سامحت باول وليليا .
لم يكن ليحدث هذا لولا وجود روديوس .
”همم، نورن أنت ظريفة حقًا، ستصبحين جميلة مثل أمي. لنستحم معًا عندما تكبرين. “
أمسك روديوس بيد نورن الصغيرة لاستمالتها .
روديوس الجاد دائما يلاعب أخته بطريقة طفولية، هذا حقًا….
)يبعث الراحة…..(
بنظري روديوس مذهل لكن مؤخرًا اكتشفت أيضًا أنه شخص يعتمد عليه .
الوضع كان شاقًا للغاية عند ولادة نورن وآيشا .
الصفح ة | 189
كانت الفتاتان تبكيان ليلاً ونهارًا، وتتقيآن بعد إطعامهما، وتتبرزان عندما نغسل جسديهما بالماء .
تقول ليليا أنّ هذا طبيعي وهذه هي طبيعة الأطفال، لكني لم أستطع النوم في الليل .
فعل روديوس الكثير من أجل الطفلتين.
كما أنه يؤدي عمله بمهارة.
وكأنه مارس ذلك من قبل .
لا بد أنه رأى ليليا وتعلم منها إذ لا يعقل أنه ما زال يذكر كيف اعتنينا به وهو صغير.
كما هو مألوف من روديوس .
أشعر بالاستياء نوعً ا ما لمقدرته على أداء المهمة أفضل من والديه، لكن في الحقيقة أنا ممتنة لهذه
المساهمة الكبيرة.
لم أرَ أو أسمع من قبل عن كفاءة طفل مثل روديوس الذي يستطيع الاعتناء بأختيه الرضيعتين.
يذكرني روديوس بأخي في بلاد ميليس المقدسة، إنه جاد مثل روديوس، مجتهد وموهوب ويمدحه أ بي بأنه
نبيل مثالي لكنه غليظ تجاه عائلته ويعامل أختيه كالمزهريات .
هو مذهل كنبيل لكني لا أحترمه كأخ .
وعلى الأرجح روديوس لن يصير مثله .
بل سيكون خير الأخ وجدير باحترام أختيه .
هذا ما يصبو إليه في الحقيقة، إذ قالها عندما كان ينظر إلى أختيه مع باول )هدفي هو أن أصير أخًا محترما( .
أتوق جدًا لرؤية كيف سيكبر روديوس ونورن وأختهما .
”آه! وآاه! “
بدأت نورن بالبكاء وأنا غارقة في التفكير .
اهتز جسم روديوس قليلاً وصنع تعبيرًا على وجهه من أجلها .
”واه! واه! “
لكن نورن لم تتوقف عن البكاء.
فحص روديوس حفاضتها ليرى إن بالت، ثم رفعها وألقى نظرة على ظهرها بحثًا عن طفح جلدي بينما كانت
نورن تبكي بحرقة .
لو كنت مكانه لصرخت فورًا مستنجدة بليليا ثم أتذكر أن ليليا قد خرجت لشراء الحاجيات فيصيبني الهلع .
أما روديوس فهو غير مذعور .
وصل إلى استنتاج وصفق يديه ثم قال لي :
”أماه، حان وقت إطعامها. “
أدركت الأمر حينما أخبرني بذلك .
لقد مضى الوقت بسرعة وأنا أنظر إلى لعب روديوس مع أختيه.
”حسنٌ، حسنًا. “
”هنا، تفضلي بالجلوس. “
جلست على الكرسي حسب توجيهات روديوس .
الصفح ة | 190
كشفت صدري وأنا أحمل نورن الباكية .
نورن فعلاً جائعة كما توقع روديوس إذ انهمّ ت بالرضاع وشربت الحليب باستمتاع .
في كل مرة أرضعها يغمرني شعور قوي بالأمومة .
”….. همم؟ “
فجأة لاحظت تحديق روديوس.
روديوس يحدق دائما بصدري عندما أرضعها .
وذلك التحديق لا يعكس براءة طفل في سن السابع ة، بل هو شهواني حتى النخاع.
لو قارنته مع باول لوجدت أن النظرة متشابهة بينهما .
هذا يشعرني بالارتياح ثم يتحو ل إلى قلق بشأن المستقبل بعد استيعاب ي أ نّه يمل ك هذا الطبع في سنه
الصغير.
هل سيغدو مثل أبيه ويواعد العديد من الفتيات ويبكيهن ؟
”ما الأمر يا رودي؟ أتريد أن ترضع أيضًا؟ “
”هاه! “
تحرشت ب ه، ثم عاد روديوس إلى وعيه وأشاح بنظره .
حاول تبرير نفسه ووجهه محمر خج لا .
”لا، كنت أفكر أن نورن تحب الرضع. “
”ههههه. “
لم أستطع كبت ضحك تي عندما رأيت سلوكه الظريف .
”لا يمكنك الحصول عليه ؛ إنه ملك نورن. روديوس رضع كثيرًا في صغره لذا تمالك نفسك. “
”….. طبعًا يا أماه. “
يقول هذا والحسرة واضحة على وجهه .
من النادر رؤية هذا الجانب من رودي، وهذا يجعلني أر غب بتدليعه .
سأتحرش به أكثر .
”إذا كنت حقًا تريده، فعليك أن تنتظر حتى تتزوج وتتوسل إلى زوجتك. “
”نعم، سأطلب منها ذلك. “
أوه، توقعت أن يغضب ويتشاحن معي، لكن يبدو أن لديه حسبة وردود جاهزة .
هل أدرك أنني أمازحه ؟
الصفح ة | 191
هذا محبط نوعا ما لكنه يناسب شخصيته .
”…. لا تجبرها، اتفقنا؟ “
”أدري.“
رده الجاد يشعرني بالوحدة .
”بع. “
تجشأت نورن بعد أن انتهت من طعامها، ووضعتها في المهاد .
استخدمت قطعة قماش لمسح صدري، وها هو روديوس يحدق من جديد .
همم، يبدو أن زوجته المستقبلية ستعاني الكثير .
سيلفي هي أقوى مرشحة للمنصب، لكن تلك الطفلة تطيعه دائمًا ويبدو أنها لن ترفضه حتى لو لم تملك
الرغبة…… .
حسنٌ .
سأتولى تلقين روديوس في هذا ا لشأن .
أنا أمه .
باول علمه فقط كيف يكسب الفتيات، وأنا سأعلمه ما يلي ذلك .
”غوو. “
بعد الشبع، بدأت نورن بإصدار الأصوات بوجه مليء بالرضا .
لا بد أنها متعبة.
”ارضعي كثيرًا ونامي أكثر واكبري بسرعة، مفهوم؟ “
مسحت على رأس نورن وأنا أخبرها ذلك .
”آه! وآا! “
روديوس فعل الأمر ذاته مع آيشا، حملها وفحص حفاضتها وتأكد من عدم وجود طفح جلدي أو لسعات
حشرات…. .
ثم حمل آيشا ونظر نحوي بنظرة متضايقة .
نادرًا ما يظهر هذا التعبير على وجه روديوس .
صحيح أنه يسعدني رؤية تعابيره الجديدة لكني لا أود رؤيته متضايقًا .
”ما الخطب؟ “
”في الحقيقة يا أماه، لقد تأخرت ليليا اليوم. “
”معك حق. “
إنها تعود غالبا في هذا الوقت إذا خرجت لشراء الحاجيات.
هل حصل شيء ؟
الصفح ة | 192
…… لا، ثمة مجموعة من التجار قادمين من مدينة روى، وأذكرها تقول أنها ستشتري أغراضًا أكثر من المعتاد
لذا ستسغرق وقتًا أطول اليوم.
”الأمر له علاقة بآيشا. “
”طيب؟ “
”أعتقد أنها جائعة. “
”فهمت. “
بعد التفكير، آيشا تتناول طعامها سويا مع نورن لذا يفترض أنها تشعر بالجوع في نفس الوقت .
جرت العادة أني أطعم نورن بينما ليليا تطعم آيشا .
والآن فهمت سبب قلق رودي.
أظهر رودي تعبيره القلق وقال بخوف :
”بخصوص ذلك يا أماه، لا أدري متى ستعود ليليا ولا بأس إن جعلنا آيشا تنتظر لبعض الوقت، لكن إذا استمرت
آيشا بالبكاء فستبكي نورن أيضا، وهذا…. “
أنا تابعة مخلصة لمذهب ميليس.
وبسبب ذلك ألوم ليليا على كسر وعد باول لي على شرط )رجل واحد وامرأة واحدة(.
أعلم أنهما لا يتبعان مذهب ميليس لكني لا أريد مخالفة معتقداتي .
لا بد أن رودي اكتشف هذا .
يا ترى هل سيحزن أمه بسبب كلمة ؟
يا ترى هل أمه ستؤذي أخته ؟
لا بد أن هذه الأفكار تقض مضجعه .
رودي يعامل الجميع معاملة واحدة سواء كنت أنا أو نورن أو آيشا .
إذن….. يجب أن أفعلها ما دامت الأمور سلكت هذا المجرى.
لكن، أحقًا لا مانع في هذا ؟
هل سأشعر بالحزن عندما أرضع آيشا ؟
وحينها، هل سيكرهني رودي أو يحتقرني إذا شاهد تعبير وجهي ؟
طردت هذه المخاوف من رأسي واستخدمت ألطف نبرة يمكنني إصدارها لأخبر رودي :
”ويحك، ماذا تقول؟ هيا أعطني آيشا بسرعة. “
”حاضر. “
أعطاني آيشا بحذر .
حملت آيشا وجعلتها ترضع من ثديي الآخر .
إذا رفضت آيشا أن ترضع مني فلربما يحزنني هذا، لكن آيشا لم تبالي ورضعت بجرعات كبيرة.
الصفح ة | 193
”….. هيه. “
تنهدت براحة وبصوت خافت كي لا يسمعني رودي .
أتاني نفس الشعور الذي يعتريني عند إرضاع نورن .
إنه شعور الأمومة .
عجيب .
لماذا فك رت أني لست راغبة في إطعام آيشا ؟
لماذا فك رت أني سأحزن عند إطعامها ؟
لماذا فك رت أني بحاجة لتحمّل ذلك ؟
الجواب بسيط .
وأنا أعرفه لأني أم .
لا يوجد فرق في نهاية المطاف سواء كنت أتبع مذهب ميليس أو أي مذهب آخر .
”يبدو أنها مستمتعة. “
”هذا لأن أمي لذيذة. “
”كفاك إطراءً. “
يبدو أن رودي مستمتع وهو يراقب آيشا ترضع مني بسعادة، وارتاح .
لا بد أنه كان يفكر أ ن مسؤولياته تشمل حماية أختيه .
إنه جدير بالإعجاب .
لم يكذب حينما قال أنه سيغدو خير الأخ .
”ليس إطراء، ما زلت أتذكر الطعم. “
”أأنت جاد؟ “
ابتسمت ومسحت على رأس آيشا .
ثم شبعت آيشا بعد فترة وانتهت من الرضاعة .
وضعتها في المهاد ثم نامت مثل نورن .
نظر إلينا رودي وعلى وجهه تعبير لطيف أكثر من العادة .
”رودي.“
”نعم يا أماه؟ “
”أيمكنني لمسك؟ “
”…. لا حاجة للسؤال، المسيني متى ما أردت. “
جلس رودي بجانبي ورفع رأسه نحوي .
مسحت على رأسه بلطف .
الصفح ة | 194
لم يجعلني رودي أقلق منذ ولادته لذا لم تتولّد فيني مشاعر الأمومة أثناء نشأته، لكن مؤخرا الوضع مختلف .
بدأت أشعر من أعماق قلبي أني أمّ هذا الطفل .
“ .……”
شعرت بموجة دفء مفاجئة قادمة من الأعلى .
رفعت رأسي لأجد الشمس ساطعة عبر النوافذ .
ظهيرة يوم صيفي هادئ .
احتواني شعور بالرضا .
”من الرائع إذا استمرت الأمور على هذا النح و. “
”أجل. “
وافقني رودي .
لا بد أنه يشاركني شعور الراحة في وقتنا هذا .
لكن ما يسعدني حقًا هو وجود رودي .
لولا رودي لاختلف الحال، فأنا كتابعة مذهب ميليس كنت سألعن اللحظة التي أصبحت فيها إحدى زوجتين
وكنت سأغادر بيتي مع نورن أو ألوم آيشا وليليا.
لحسن حظي، رودي موجود.
لم أكن لأعيش هذه التجربة لولا ذكاء وحكمة هذا الطفل .
”رودي.“
”ماذا؟ “
”شكرًا لولادتك. “
نظر إليّ رودي مستغربًا .
ثم حكّ رأسه بخجل وقال :
”بل أنا من يجب أن يشكرك.“
ضحكت مجددًا عندما رأيت سلوك رودي الظريف .
الصفح ة | 195
قصة قصيرة - واحة الحيا ة
الحياة مثل الصحراء .
يجول فيها المرء تائها بلا هدف وهو ظمآن .
يترنح تحت أشعة الشمس الحارقة حتى يذبل ببطء .
ربما خسر الكثيرون حياتهم على هذا النحو .
لكن ثمة واحات في هذه الصحراء .
الواحة نعمة .
والمرء يقضي حياته بحثا عن النعمة .
وأنا الآن وسط تلك الواحة .
واحة ناعمة .
واحة يتغير شكلها عند لمسها وتمنحك الدفء المريح .
وعبق رائحتها يفوح بالسعادة.
يحيط بالواحة جبلان ولكل جبل قمة، بينهما وادي النعيم.
لن أغادر هذا المكان أبدا .
سأعيش هنا للأبد .
جاء صوت من السماء قاطعًا حبل أفكاري .
”مهلاً روديوس، هذا يكفي…. “
تساقط الصوت السماوي على مسامعي بنبرة مرحة بها نفحة من الحياء .
السماء منحتني هذه الواحة .
بوركت أيتها السماء !
سأهديك آيات من التبجيل والثناء.
لكن في تلك اللحظة !
”أوه ليليا، هل يمكنك أخذ الطفل؟ “
السماء تريد إخراجي من هذه الواحة !
إنه امتحان .
امتحان يبعدني عن هذه الواحة الدافئة الناعمة ويرسلني إلى تلك الصحراء القاحلة.
كيف أرضى بهذا ؟
الصفح ة | 196
تم سكت بالواحة بكل ما أوتيت من قوة .
هذه الواحة هي هدف حياتي .
آه… وا حسرتاه! الواقع مؤلم.
خذلتني أطرافي الصغيرة في التمسك بالواحة وتم إبعادي.
نفيت إلى تلك الصحاري الأبدية الممتدة على مرأى البصر .
خسر قلبي السعيد رونق حياته وآلمته الجراح .
لماذا تصيبيني بالهموم يا أيتها السماء ؟
تشت ت نفسي .
وضاقت بي السبل .
سأذبل وأموت .
لكن في تلك اللحظة الظلماء ،
انبعث بصيصٌ من النور .
”حاضر يا سيدتي. “
ظهرت أمامي واحة جديدة فجأة !
يا فرحتاه، لم تغلق أبواب السماء !
هذه السماء تختلف عن سابقتها لكنها توازيها في الحجم والشكل .
دافئة، ناعمة، ممتلئة .
آه، سأظل هنا للأبد .
”احم… سيدتي، يبدو أن السيد روديوس… “
”ما الأمر يا ليليا؟ “
”لا شيء. “
”غريب. حسنً ا يا ليليا، أعطيني. “
”حاضر يا سيدتي. “
إنه امتحان آخر .
بل إعصار .
قذفتني الزوبعة بعيدًا عن واحتي مرة أخرى .
عدت مجددا إلى الصحراء .
هذه الصحراء القاحلة تذبل قلبي وتحرمني من نعمتي .
لا أستطيع التمسك بالحياة.
لن أنجو هذه المرة .
أنا جاد .
الصفح ة | 197
”هيا يا رودي، تعال إلى ماما~“
لكني أبصرتُ سرابًا في تلك الأفق .
إنها واحتي !
يا للعجب، عصفتني الزوبعة وأعادتني إلى واحتي الأولى .
لم تهجرني هذه السماء !
”يا إلهي، لماذا يحب هذا الفتى أن… “
استمتعت بدفء ونعومة هذه الواحة من جديد .
لكني أعلم أن الأيام ستفرّقنا.
فالسماء لا ترحم، ولا مهرب من الصحراء .
لذا سأتمتع بنعيم الواحة حتى لحظات الوداع .
”ليليا.“
”ما الأمر يا سيدتي؟ “
”عندي سؤال… أيرضع الأطفال من الثدي هكذا دائمً ا؟ “
”… لا، لا يفعلون هذا في العادة.“
”كما توقعت، ربما وراثة؟ “
وأنا منهمك في عالمي الخاص، استمرت يداي بتدليك أثداء زينيث وليليا الكبيرة.

 الفصل التالي و هو المجلد التاني سنرفعه قريبا المرجو تشجيعنا بالتعليقات

الفصل السابق


3 comments:

  1. صراحة ما اقدر اوفيكم حقكم بكلمة شكرا. ماتدرون من متى وانا ابحث عن موقع يترجم الرواية. فشكرا جزيلا على الترجمة واتمنى تستمرون❤️❤️

    ردحذف